الاثنين، 21 يوليو 2008


السينما المصرية، حسن ومرقص بدون كوهين

منذ ثلاثة عقود تقريبا و"الزعيم" الشخصية التي يجسدها الممثل عادل إمام تطغى بلا منازع على خشبات المسرح و خاصة على الشاشات العربية. يمكن أن نعتقد أنّه بفضل هذه الشهرة فلا داعي لتقديم الولاء لأوّل الرؤساء و الزعماء ألا هو حسني مبارك...مع أنّ!
ورد في "الأخبار" بقلم محمد خير و أيضا وائل عبد الفتاح أنّ عادل إمام يقوم بعكس ما كان يطمح إليه في بداياته عندما كان حلمه مساعدة الفقراء و الكادحين "لأنّني أردت أن أكون بطلا خادما لوطنه وأنا دائما أنحاز للناس الغلابة لأنّني من هذه الطبقة"، ها هو الآن ينضم بدون تردد إلى مساندة النظام مؤيدا فكرة انتقال الحكم الجمهوري وراثيا إلى ابن الرئيس الحالي.
ما يجعل من الإلتزام السياسي للنجم موضوع الساعة هو عرض فيلم "حسن ومرقص" في الصالات مع حلول موسم الصيف الذي يُعَدُ من أحسن فترات السينما في مصر، و لقد أنتج الفيلم شركة انتاج ضخمة ذات اسم محلي "قود نيوز فور مي".
تكلفة الفيلم من أكبر الميزانيات كما كان الحال بالنسبة ل "عمارة يعقوبيان" الذي أنتجته نفس الشركة التي موّلت الحدث السينمائي الآخر لهذه السنة "ليلة البيبي دول" الذي أخرجه ابن الممثل. تجدر الإشارة إلى أنّ النجاح كان متوقعا لأنّ الفيلم ضم ولأوّل مرة النجمين الأكثر شهرة على الساحة الفنية هما عادل إمام و عمر شريف.
ويقوم الممثلان بالدورين الأساسين في الفيلم( هذا لم يمنع أن يسحب النجم المتألق عادل أمام البساط من تحت رجلي شريكه بالفيلم): حسن (عادل إمام) قسّ مسيحي يضطر إلى تقمص شخصية مسلم حتى يهرب من تهديدات المتشددين من طائفته، ومرقص (عمر شريف) مسلم معتدل يضطر هو الآخر ولنفس الأسباب إلى التحول إلى مفكر مسيحي ليبرالي.
تتسبب هذه الهويات المستعارة بطبيعة الحال في الكثير من المواقف الطريفة و لكن هذا لم يضر محتوى الرسالة السياسية للفيلم. استغل عادل إمام نفس المبدأ الذي حارب به الإسلام المتشدد في أفلامه السابقة ليدافع هذه المرة عن قضية الوحدة الوطنية المهددة بسبب النزاعات الدينية.
تصور لقطة من الفيلم كيف يضع الإمام و القسّ، في مؤتمر عن الأخوة و الوحدة الوطنية، اليد في اليد و يهتفان معا "يحيا الهلال مع الصليب".
يحاول السيناريو أن يكون حياديا اتجاه الطرفين. عادل إمام الذي يتبنى دائما نفس المبدأ دائما نفس المبدأ و كأنّه كان يقول للجمهور المصري: هذا ما ترون، هذا ما يُقَال كلّ يوم في الشارع، و لكم أن تحكموا! السيناريو يمكنه أن يُقرأ بطريقة معقدة قليلا، وهذه القراءة يمكن أن نفهم من خلالها أنّ الظروف قد تدفع بالأشخاص الأكثر تسامحا، في هذه الحالة عائلة الشخصيتين، إلى الانجراف وراء التعصب.
رغم كلّ هذا إلاّ أنّنا نعيش في جو مبسّط جداً الذي لم تساعد كوميدية عادل إمام المشهورة في التعمق فيه أكثر. وأشار بعض النقاد إلى الغياب الكلّي للسلطة التي تُعَدُ القوة الحافظة للنظام فنجدها خارج هذا الصراع الذي لم يحاول فهم جذور التعصب و خاصة أسبابه الاجتماعية و الاقتصادية التي تغذي التصعيدات الدينية المتزايدة أكثر فأكثر.
لقد لاقى الفيلم نجاحا عند المشاهدين و أثار الكثير من الجدل حوله، مع أنّنا نتساءل إذا ما كان هذا الجدل قد أُثير فقط حتى يساهم في دعاية الفيلم. في نفس الوقت، غزت الشكاوي موقع "فايس بوك" و التي نادت المسلمين الحقيقيين إلى مقاطعة "المسيحي عادل إمام". بالنسبة للبعض يجب ملاحقة الممثل الذي قام برجل الدين القبطي بتهمة الردّة لأنه ربما يكون قد اعتنق المسيحية.
لقد انتشر هذا الجدل الحقيقي أو المصطنع حتى قبل بدء تصوير الفيلم وهذا بسبب زيارة النجم المصري البابا القبطي شنودة الثالث. تعتبر هذه الزيارة في مصر اليوم تنازلا غير مقبول في نظر بعض المسلمين وقد اضطر عادل إمام إلى تفسير سبب زيارته وقال أنها لم تكن لطلب مباركة السلطات القبطية و لكنّها كانت مجرد حب استطلاع من مسلم فضولي.
إذا اعتمدنا أفكار شلومو ساند و أيدناه في قوله أن السينما هي التي تُغذي ما يسميه المؤرخ موريس حالبواش "الذاكرة الجماعية" للشعوب، فعلينا أن نقف للحظة أمام الاسم المعطى للنداء إلى التسامح ضد التعصب الديني و الذي يهدد الوحدة الوطنية.
صعب أن لا نتذكر، وسط هذا النجاح الذي لاقاه الفيلم،إنتاج مشهور من أرشيف العصر الذهبي للسينما المصرية. عُرض سنة 1954 في الصالات المصرية فيلم "حسن ومرقص وكوهين" مأخوذ من مسرحية لنجيب الريحاني والتي لاقت نجاحا كبيرا ًسنة 1945.
على نفس مبدأ السيناريو الذي ألقى الضوء على ثلاث تجار من ديانات مختلفة، جاء فيلم "فاطمة و مريكا و راشيل" من بطولة النجمة مديحة يسري التي جسّدت الشخصية المسلمة إلى جانب فنانتين واللاتي مثلنّ الشريحة الشبابية النسائية لتلك الفترة وكان الفيلم من إخراج حلمي رفلة سنة 1949.
ستين عاما بعد قيام دولة إسرائيل و تحديدا لهذا السبب، اختفى كلٌّ من راشيل و كوهين من الصورة التي تنادي بالوحدة الوطنية، أمّا مرقص فمن الواضح أنّه يجب أن يدافع جيّداً عن مكانه إلى جانب حسن في "الشرق الأوسط الجديد".
لمن يريد قراءة المقال الاصلي باللغة الفرنسية يُرجى الضغط على هذا الرابط
ترجمة بن موسى ماحي حسيبة.