الثلاثاء، 3 فبراير 2009


الأغنية والسياسة: غزة
من الصعب معرفة وقع القصف الإسرائيلي لغزة على الرأي العام العربي فهو مبهم بفعل الرقابة (العربية) وجهل وسائل الإعلامية (الغربية). شهدت معظم الشوارع العربية مظاهرات حاشدة (حتى في المملكة العربية السعودية وهذا ليس شيئا معتاداً) ولكن الأنظمة القائمة تبدو عموما وكأنّها تسيطر على الموقف فهي تارة تقمع قوى المعارضة وطوراً تظهر كأنّها تشاركها في معارضتها.
وعلى عكس بعض قادة الرأي العام في العالم العربي (مثل عادل إمام) الذين ظلوا يدافعون عن أفكار يصعب الدفاع عنها، ظهر جليا أن معظم المثقفين والفنانين قد التحقوا بالرأي العام وتضامنوا مع الضحايا العرب.
ينطبق هذا على المغنيين الذين أسرعوا في الإعلان عن تضامنهم مع غزة وهو حال عبد الرحيم شعبان "شعبولا" النجم الشعبي المصري الذي عوّدنا على التعليق على أحداث الساعة فور حصولها و لقد علّق على أحداث غزة في أوّل أيّام القصف. ولكن الغريب على الرأي العربي هو مثلا تغيير نانسي عجرم لفيديو كليب أغنيتها الذي كان من المفروض أن يصور هجر حبيبها لها لكي يُستبدل هذا الحبيب القاسي بمقاتل تركها ليلتحق بصفوف فصائل المقاومة أو أن يقرر تامر حسني، نجم المراهقين في المنطقة، أن يُحيي ضحايا غزة.
وتظهر حالة الفوضى التي يعيشها الرأي العام العربي في مثال بسيط هو أغنية كتبها تامر حسني وظهرت تحت عنوانين: الأوّل العنوان الرسمي "كلنا واحد" والثاني هو المقطع الذي شد انتباه الجمهور "مش عارف أعمل حاجة".
والواقع أنّ العديد من المعلقين يلاحظون أنّ معظم الأغاني التي كُتبت لا تعدو أن تكون مجرد بكاء ونحيب حيث تتناغم غزة وعزة وهذا ما يؤكده كاتب إحدى المقالات على موقع إسلام أونلاين. وتبقى الأغنية الوحيدة المؤثرة والتي دعت إلى الصمود بدل البكاء والعويل هي أغنية ميشال هارت التي كُتبت بالانجليزية.
لا يستطيع البعض أن يمنعوا أنفسهم من السؤال عن الأسباب التي قد تدفع هؤلاء الفنانين الذين صاروا يضعون الكوفية الفلسطينية ويُغنُون لضحايا غزة إلى هذا التصرف مع أنّهم لم يكن لهم يوما رأي في السياسة. وهذا ما ذهب إليه ناقد سوري في" القدس العربي" أهند منصور مشيرا إلى أنّ هذه الأغاني هي مجرد بضاعة تواكب أحداث غزة.
إذا أردنا أن نتبنى هذا الاتجاه ونذهب إلى أبعد من ذلك يمكننا ببساطة أن نسخر من العالم العربي الذي لا يملك ردا على مجازر غزة سوى الأغاني التي يختلف النقاد والجمهور على تقييمها. إلاّ أنّ الأغنية كانت ولا تزال ربما جزء من ثقافة المنطقة ومحركاً لا يُستهان به في تعبئة الرأي العام. ولا تزال أهم منعطفات التاريخ العربي في الذاكرة الجماعية مرتبطة بألحان وكلمات معينة.
وإذا كان البعض من الجمهور العربي يحزن عند ملاحظته لرداءة الأغاني التي تبثها وسائل الإعلام فإنّ هذا يعود أيضا إلى عمق الأزمة السياسية المحلية وكذلك إلى التحول في الممارسات المحلية التي ثأرت هي الأخرى بعولمة الصناعات الثقافية المشجعة بدورها حركة المنتجات سريعة الاستهلاك والنسيان دون الاهتمام بالاعتبارات الأيديولوجية.
لجأ المستمع العربي إلى الأغاني القديمة كأغاني سنوات الثمانينات مثل "أناديكم" كلمات توفيق زياد وأداء أحمد قعبور أو "نزلنا الشوارع" لوليد عبد السلام عندما لم يجد على الساحة الفنية اليوم ما يمكن أن يشبهه أو يعبّر عنه.



لمن يريد قراءة المقال الاصلي باللغة الفرنسية يُرجى الضغط على هذا الرابط
ترجمة بن موسى ماحي حسيبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق